يا من تريد الشفاء بالقراءن :

يا من تريد الشفاء بالقراءن : وبالدعاء أقرأ جيدا

حتى تعلم شروط الشفاء والإجابة عند الدعاء :

وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد

قال: انطلق نفر من أصحاب النبي – صلى الله عليه

وسلم – في سَفْرة سافروها حتى نزلوا على حيّ من

أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يُضَيّفوهم

فلُدِغَ سيّدُ ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه

شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهطَ الذين

نزلوا، لعلّه أن يكون عند بعضهم شيء فأتوهم،

فقالوا: أيها الرهط إن سيّدنا لُدِغ، وسعينا له بكل

شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال

بعضهم: نعم ، والله إنّي لأرقي، ولكن والله

استضفناكم فلم تُضَيّفونا، فما أنا براقٍ حتى تجعلوا

لنا جُعْلًا.

فصالحوهم على قطيع من الغنم. فانطلق يتفُل عليه،

ويقرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الفاتحة] فكأنما

نُشِطَ من عِقال، فانطلق يمشي، وما به قَلَبة .

فأوفَوهم جُعْلَهم الذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم:

اقتسِموا، فقال الذي رقَى: لا نفعل حتى نأتي النبي –

صلى الله عليه وسلم – فنذكر له الذي كان، فننظر

بما يأمرنا. فقدِموا على رسول الله – صلى الله عليه

وسلم – فذكروا له ذلك، فقال: “وما يدريك أنها

رقية؟ ” ثم قال: “قد أصَبتُم، اقتسِمُوا واضرِبوا لي

معكم سهمًا”.

فقد أثّر هذا الدواءُ في هذا الداء، وأزاله حتى كأنْ

لم يكن. وهو أسهل دواء وأيسره. ولو أحسن العبد

التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيرًا عجيبًا في الشفاء.

ومكثتُ بمكة مدّةً تعتريني أدواء، ولا أجد طبيبًا

ولا دواء، فكنتُ أعالج نفسي بالفاتحة، فأرى لها

تأثيرًا عجيبًا . فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألمًا،

وكان كثير منهم يبرأ سريعًا .

ولكن ها هنا أمر ينبغي التفطّن له، وهو أن الأذكار

والآيات والأدعية التي يستشفى بها ويرقى بها، هي

في نفسها نافعة شافية، ولكن تستدعي قبول

المحلّ، وقوة همة الفاعل وتأثيره. فمتى تخلّف

الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل، أو لعدم قبول

المنفعل، أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه

الدواء، كما يكون ذلك في الأدوية والأدواء الحسية،

فإنّ عدم تأثيرها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك

الدواء، وقد يكون لمانع قوي يمنع من اقتضائه

أثره. فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء بقبول تام كان

انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول، وكذلك القلب

إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول :

تام ، وكان للراقي نفس فعالة وهمة مؤثرة، أثّر في

إزالة الداء .

وكذلك الدعاء، فإنه من أقوى الأسباب في دفع

المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف عنه

أثره ، إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه

الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم

إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون

بمنزلة القوس الرخو جدًّا فإن السهم يخرج منه

خروجًا ضعيفًا، وإما لحصول المانع من الإجابة من

أكل الحرام، والظلم، ورَين الذنوب على القلوب،

واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغلبتها عليها .

كما في صحيح الحاكم من حديث أبي هريرة عن

النبي – صلى الله عليه وسلم -: “ادعو الله وأنتم

موقنون بالإجابة، واعلموا أنّ الله لا يقبل دعاءً مِن

قلبٍ :غافلٍ لاه” .

فهذا دواء نافع مزيل للداء، ولكن غفلة القلب عن

الله تبطل قوله.

وكذلك أكل الحرام يبطل قوته ويضعفها، كما في

صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: قال قال

رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “أيها الناس، إنّ

الله طيّب، لا يقبل إلا طيّبًا. وإن الله أمر المؤمنين

بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ

الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }

[المؤمنون:]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ

طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} “. ثم ذكر الرجل يطيل السفر

أشعثَ أغبرَ يمدّ يده إلى السماء: يا ربّ يا ربّ،

ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ

بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك !

وذكر عبد الله ابن الإِمام أحمد في كتاب الزهد

لأبيه : أصاب بني إسرائيل بلاءً، فخرجوا مخرجًا،

فأوحى الله عَزَّ وَجَلَّ إلى نبيّهم أن أخبرهم:

تخرجون إلى الصعيد بأبدان نجسة، وترفعون إليّ

أكُفًّا قد سفكتم بها الدماء وملأتم بها بيوتكم من

الحرام، الآن حين اشتد غضبي عليكم، ولن تزدادوا

مني إلا بعدًا.

وقال أبو ذر: يكفي من الدعاء مع البِرّ ما يكفي

الطعام من الملح .

فصل

والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه

ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه، أو يخففه إذا نزل.

وهو سلاح المؤمن، كما روى الحاكم في صحيحه

من حديث علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله –

صلى الله عليه وسلم -: “الدعاء سلاح المؤمن،

وعماد الدين، ونور السموات والأرض”.

وله مع البلاء ثلاث مقامات:

أحدها: أن يكون أقوى من البلاء، فيدفعه.

الثاني: أن يكون أضعف من البلاء، فيقوى عليه

البلاء، فيصاب به العبد. ولكن قد يخففه، وإن كان

ضعيفًا.

الثالث: أن يتقاوما، ويمنع كلّ واحد منهما صاحبه.

وقد روى الحاكم في صحيحه من حديث عائشة

قالت: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم -:

“لا يغني حَذَر من قَدَر، والدعاء ينفع مما نزل ومما

لم ينزل. وإن البلاء لينزل، فيلقاه الدعاء، فيعتلجان

إلى يوم القيامة”.

وفيه أيضًا من حديث ابن عمر عن النبي- صلى الله

عليه وسلم – قال: “الدعاء ينفع مما نزل ومما لم

ينزل، فعليكم عبادَ الله بالدعاء”.

وفيه أيضًا من حديث ثوبان: “لا يردّ القدرَ إلا

الدعاءُ، ولا يزيد لعمر إلا البِرّ، دانّ الرجل ليحرم

الرزق بالذنب يصيبه”.

فصل
ومن أنفع الأدوية: الإلحاح في الدعاء

وقد روى ابن ماجه في سننه من حديث أبي

هريرة قال: قال

رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من لم يسأل

اللهَ يغضَبْ عليه”.

وفي صحيح الحاكم من حديث أنس عن النبي –

صلى الله عليه وسلم -: “لا تعجزوا في الدعاء، فإنه

لا يهلك مع الدعاء أحد”.

وذكر الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة

رضي الله عنها قالت: قال رسول الله – صلى الله

عليه وسلم -: “إن الله يحب الملِحّين في الدعاء”.

وفي كتاب الزهد للإمام أحمد عن قتادة قال: قال

مُوَرِّق: ما وجدت للمؤمن مثلًا إلا رجلًا في البحر

على خشبة، فهو يدعو: يا رب

يا رب، لعل الله عَزَّ وَجَلَّ أن ينجيه.

فصل

ومن الآفات التي تمنع ترتُّبَ أثرِ الدعاء عليه: أن

يستعجل العبد، ويستبطئ الإجابة، فيستحسرَ،

ويدَعَ الدعاء. وهو بمنزلة مَن بذر بَذرًا، أو غرس

غِراسًا، فجعل يتعاهده ويسقيه، فلمّا استبطأ كمالَه

وإدراكَه، تركه وأهمله!

وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة أن

رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : “يستجاب

لأحدكم ما لم يعجَلْ، يقول: دعوتُ، فلم يُستجَبْ

لي”.
وفي صحيح مسلم عنه: “لا يزال يُستجاب للعبد ما

لم يَدْعُ بإثم أو قطيعةِ رحيم، ما لم يستعجلْ”. قيل:

يا رسولَ الله، وما الاستعجال ؟ قال: “يقول: قد

دعوتُ وقَد دعوتُ، فلم أرَ يستجيب لي. فيَستحسِرُ عند ذلك ويدَعُ الدعاء”.

وفي مسند أحمد من حديث أنس قال: قال رسول

الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا يزال العبد بخير ما

لم يستعجل” قالوا: يا رسول الله، كيف يستعجل؟

قال: “يقول: قد دعوتُ ربّي، فلم يَستجِبْ لي”.

📚 كتاب الشفاء ابن قيم الجوزية
_________
_________

أضف تعليق

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ